بدأت الحملة العثمانية ضد المدينة المنورة حينما أراد بعض القوميين العرب أن يستغلوا أحداث الحرب العالمية الأولى في التحرر من سطوة اسطنبول التي أخذت تُعمل يدها في كل ما تبقى للعرب من ثقافة وأمجاد واستقلال وتاريخ .
الجرائم والفظائع التاريخية التي ارتكبها الوالي العثماني فخر الدين أو فخري باشا وجنوده في حق أهالي المدينة المنورة لم ترق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقام بقلب الحقائق معتبراً أن فخري باشا كان يدافع عن المدينة المنورة ، وأعاد الرئيس التركي نبش ماضي تلك الحقبة برواية تاريخ أسلافه في مدن العرب على هيئة أمجاد وأساطير .
ومع أن ما فعله فخري بأهل المدينة المنورة حسب الكتب والوثائق يعتبر جريمة تاريخية حسب وصف الباحثين ، إلا أن تعلق الجريمة بمسجد نبي المسلمين أعطى القضية بعداً خاصاً .
العرب بقيادة الشريف الحسين في منطقة الحجاز سريعاً ما أعلنوا استقلالهم من قلب مكة المكرمة فلم يتبق للأتراك من الحرمين غير المدينة المنورة ولذلك استقتلوا للإبقاء عليها بالحديد والنار للسيطرة على الحرمين أو أحدهما على الأقل ، فهما القوة المعنوية الوحيدة الجامعة للمسلمين وبدونهما تكون الخلافة التي يتخذها الأتراك ذريعة للهيمنة لا معنى لها، ولن يهتم بها أحد .
ومنذ أن حل فخري باشا في المدينة المنورة بدأ بالتعسف ضد السكان وفرض على الكثيرين من أبنائها العمل في خدمة الثكنات العسكرية مقابل مبالغ زهيدة في حين كان الجنود يستهلكون قوت أهالي المدينة وما لديها من مؤن ومحاصيل ومواشٍ بلا مقابل .
ومع انطلاقة غارات القبائل على الجنود الأتراك إبان الثورة العربية الكبرى بدأ الجنود حينها بأوامر من فخري باشا بطرد سكان المدينة وقاموا باقتحام البيوت وخطف الأطفال والرجال ونقلهم بالقوة عبر سكة قطار الحجاز إلى الخارج .
وكانت مرحلة التهجير لا بد منها في نظر الأتراك لكنهم سريعاً ما اكتشفوا أنها غير كافية ولذلك بدأت مرحلة أخرى أشد بشاعة في الحملة التركية وهي إدخال المسجد النبوي طرفاً في المعركة واستخدامه ورقة عسكرية وتوظيف قدسيته في توديع الذخيرة وعتاد الجيش فيه، لاعتقادهم أن الانجليز وحلفاءهم العرب لن يجرؤوا على اقتحامه .
وبعد استمرار الحرب مدة أطول اتجه فخري باشا إلى فكرة أكثر حيوية للاحتماء بالحرم وامتهان قدسيته عندما قام بشق طريقة لسكة الحديد حتى كاد يلامس القبر الشريف .
والجدير بالذكر أن فخري باشا أخذ معه الآلاف من مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة الثمينة ومن بينها جوهرة الكوكب الدري والبردة النبوية ومصحف سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، إضافة إلى محتويات مكتبة عارف حكمت والمحمودية وما تحتويه من مخطوطات نادرة وغالبية ما نهبوه موجود في متحف "توب قابي" في إسطنبول شاهدا على إنجازات جد أردوغان .
هدف الأتراك من فعلتهم الشنيعة في ذلك الوقت هو كسر شوكة العرب الثائرين وتتريك أعقابهم واستبدالهم بعد نهاية الحرب بأتراك موالين لهم لا يخشون من انفصالهم أو ثورتهم على النحو مما يسمى اليوم بالتغيير الديموجرافي ، تماما كما فعلت تركيا في ليبيا التي استعمرتها وتركت فيها جالية تركية جعلتها ذريعة التدخل في الشأن الليبي .
0 Comments: