كما هو الحال في أغلب دول المنطقة العربية التي يتواجد فيها المشروع الإخواني فأنه يعمل إما بشكل عَلَني معترف به أو بشكل غير مباشر أو عبر بوابة التغلغل في مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني ، كما أن إحدى خاصيات المشروع أنه يشتغل بمنطق الشبكة التي تهدف إلى الحضور في عدة جبهات سياسية ودينية وثقافية وإعلامية وغيرها.
وفى موريتانيا يُعتبر حزب "تواصل" الذراع السياسي للمشروع الإخواني ويتمثل هذا الذراع في "مركز تكوين العلماء"، حتى إنّ للحزب صلات مباشرة مع هذه المؤسسة التي تعتبر المنبر الذي يطل منه القيادات الإخوانية ، كما يُعدّ هذا المركز الأكثر جاذبية للأنشطة الإخوانية لأنّه يحتضن اللقاءات الخاصة برسم السياسات ووضع الخطط التي تساهم في خدمة المشروع عبر بوابة الانتشار والاستقطاب.
وقال مراقبون أن أداء فرع تنظيم الإخوان في موريتانيا أنه يحذو السياق التاريخي الذي مضى فيه التنظيم "الأم" في مصر، بل تشبه ممارسات فرع الجماعة في موريتانيا ما قامت به نظيرتها في مصر قبل 25 يناير 2011، ليس فقط في خططها التي منيت عملياً بالفشل، بل في الممارسة والسلوك السياسي والديني.
ففي الانتخابات الأخيرة أي الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية التي شهدتها موريتانيا، بين سبتمبر 2018 ويونيو 2019 لم تتردد الجماعة في استعراض قوتها عبر عدة محطات ميدانية في العمل الأهلي والعمل التطوعي وحتى في تمويل هذه المبادرات.
ويرى محللون أن الأداء السياسي لإخوان موريتانيا وخاصة في فترة 2019-2021 خلال الاستحقاقات الانتخابية والمناسبات السياسية اللاحقة رسمت حداً فاصلاً بين واقعين للإخوان في البلاد بين حضور لافت ابتداءً من 2007، وتراجع الحضور نفسه بعد عقد تقريباً مع تشدد مقاربة السلطة في التصدي لأهداف المشروع.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد العزيز حينها قد هاجم جناح الإخوان في بلاده ووصفهم بالمتطرفين بل حذّر الرأي العام من خطر هذه الحركات ، معتبراً أنهم "يتلبسون بالإسلام للوصول إلى أهدافهم نحو السلطة، عبر ترويج بعض الأفكار وإثارة بعض النعرات"، معتبراً أنّ "أحزاباً سياسيةً تعتنق هذا الفكر خرّبت البلدان العربية وفككتها ، داعياً إلى سد الباب" أمام هؤلاء .
وشرعت السلطات الموريتانية منذ نهاية العام 2018 حتى منتصف 2019 في تبني مقاربة استباقية ضد أهداف المشروع، من قبيل التصدي لمصادر تمويل الإخوان، أو اللجوء إلى ورقة "الضغط الضريبي" على بعض المؤسسات التجارية التابعة للجماعة، ضمن مبادرات أخرى، بهدف تطويق أنشطة الأداء الإخواني، بل وصل الأمر إلى صدور اتهامات تلاحقه بالتحريض على العنف ونشر التطرف، وتهديد أمن البلاد، وتضمنت هذه الإجراءات لائحة من القرارات، من قبيل إغلاق "مركز تكوين العلماء"
وقد ساهمت هذه الحملات الرسمية الصادرة عن الحكومة الموريتانية في الكشف عن تواضع دعاية وتأثير المشروع الإخواني في الساحة ، إضافة إلى أنّها غذّت معضلة الانشقاقات والتناقضات داخل المشروع مما كرّس حالة انعزالية مجتمعية محلية تزامناً مع حالات الانعزالية ذاتها التي تمر منها باقي المشاريع الإخوانية في شمال أفريقيا بشكل عام.