عقدت جماعة الإخوان المسلمين فى السودان الشهر الماضي مؤتمرا صحفيا أعلنت فيه تدشين تنظيم تحت مسمى "التيار الإسلامي العريض" جمعت فيه شتاتاً من أفراد وجماعات الإسلام السياسي بمن فيهم مؤيدون لتنظيمات القاعدة وداعش حيث تحدث عدد من قيادات الإخوان وأعادوا سكب ذات النبيذ القديم في الكأس الجديدة التي يريدون أن يسقوا منها شعب السودان .
القيادي الإخواني حسن رزق الذي تم اختياره رئيسا للتنظيم الجديد أعلن فى المؤتمر مفهوم "الحاكمية" وهو يعني بالنسبة للإخوان لهم حكم الله في الأرض وأن ما عداه هو حكم الجاهلية أو الطاغوت حيث يعتدي البشر على أخص خصوصيات الله وهو التشريع وهو المفهوم الذي صاغه منظر الإرهاب سيد قطب وقال عنه إن الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية .
تولت جماعة الإخوان المسلمين على الحكم في السودان عبر الانقلاب العسكري في يونيو 1989 وسيطرت على مقاليد الأمور لثلاثين عاما طبقت خلالها جميع الأفكار والشعارات التي ظلت ترفعها وكانت النتيجة هى تشييد أعتى دولة للاستبداد الديني والسياسي والفساد والجريمة شهدها تاريخ السودان الحديث منذ خروج المستعمر البريطاني عام 1956 حتى سقط حكمها بثورة شعبية اندلعت في ديسمبر 2018 .
وبعد السقوط المدوي لنظام الجماعة ظن الكثيرون أنها ستسعى للاستفادة من دروس التجربة البغيضة التي وضعت البلاد على شفير الهاوية ولكن قيادتها آثرت الاستمرار في ذات الدرب الذي أدى لفشلها الذريع في حكم البلاد ، مؤكدة صدقية قول المفكر المصري الراحل الدكتور كمال أبو المجد في حقها : "إن أغلبية الإخوان المسلمين وخاصة قياداتهم كانوا مثل أسرة البوربون التي حكمت فرنسا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لا يتذكرون شيئا ولا يتعلمون شيئا فيرتكبون نفس الخطايا فيثور عليهم الشعب من جديد" .
لم تقم الجماعة بأداء المطلوبات المتوقعة من أي كيان سياسي سيطر على دفة البلاد لثلاثة عقود وانهار نظامه بثورة عارمة وفي مقدمة تلك المطلوبات تقديم الاعتذار للشعب السوداني وإجراء المراجعات الفكرية الشاملة وعدم السعي لإجهاض المسار الجديد في البلاد ولكن على العكس من ذلك عملت الجماعة على إفشال التغيير بكل السبل ثم خرجت للناس بكيان جديد في شكله ولكنه يحمل نفس الجوهر الذي ظلت تدعو إليه الجماعة من أفكار وشعارات تم تطبيقها وكان محصلتها الفشل الذريع وهاهي الجماعة تعود بعد ثلاثين عاما من السيطرة على الدولة السودانية لتستمر في اللجوء لتبرير عجزها وفشل شعاراتها وأخطائها المركبة بتبني نظرية المؤامرة الغربية التى تستهدف الإسلام .
الفساد الإخواني في السودان وهو ما سمي بـ"سياسة التمكين" التي أقرها حسن الترابي تقضى بتمكين أعضاء الجماعة وتسكينهم في أجهزة الدولة وإحلالهم في الوظائف العامة والأجهزة الأمنية والجيش بدلاً من منتسبي الأحزاب السياسية الأخرى وعامة الموظفين من غير ذوي الانتماءات السياسية الأمر الذي أفسد الخدمة المدنية وأضعفها .
تجربة الإخوان السودانيون فى تكريس نظام حكم استبدادي شمولي فاسد كانت نتائجه كارثية ومنها استشراء الفساد والسير بالاقتصاد نحو الهاوية مما أدى إلى هجرة ملايين السودانيين من أصحاب الكفاءات والمؤهلات العلمية بحثاً عن لقمة العيش الكريم ، ومن الناحية الأخلاقية كان الفشل أكبر بكثير من النواحي السياسية والاقتصادية وهنا جوهر المأساة فمشروع الإخوان المسلمين يطرح موضوع القيم كأساس لجميع شعاراته ومع ذلك يشهد السودانيون كيف صار الفساد ونهب مال الدولة فعلاً عادياً ويومياً إلى جانب الانتشار الواسع للمخدرات وغسيل الأموال .
وهذه مؤشرات واقعية وملموسة على فشل شعارات الإخوان المسلمين من شاكلة "الإسلام هو الحل" ودعوتهم لتطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية باعتبار أنها ستجلب الحلول السحرية لجميع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية .
0 Comments: