لطالما اتهمت حركات الإسلام السياسي بالانتهازية والتناقض والمزاجية في مواقفها ، فضلاً عن تطويع خطابها الأيديولوجي بشكل موسمي ووفقاً للأهواء وبما يخدم مصالحها ، ولم يكن لهذه التهمة أن تطلق جزافاً لولا أنها ظهرت واضحة وجلية خصوصاً بعد الهجوم والنقد الشديدين اللذين شنتهما جماعة الإخوان المسلمين فى تركيا تجاه الهدنة بين حماس وإسرائيل بعد الحرب الإسرائيلية على غزة .
وبحسب مصادر فقد عارض الإخوان المسلمين المقيمين فى تركيا بشدة صفقة تبادل الأسرى التى تم التوصل إليها بين اسرائيل وحماس ، وأضافت المصادر ان أعضاء بارزون فى الجماعة قد طالبوا حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالتحرك من أجل إجهاض هذه الصفقة .
وأشارت المصادر الى التصريحات النارية التى أطلقها إخوان تركيا ضد الهدنة وصفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل وتوجيه إنتقادات شرسة تجاه للأطراف العربية والإقليمية التى شاركت فيها .
وفيمـــا قـــادت جماعـــة الإخـــوان وحلفاؤها ووســـائل الإعلام المحســـوبة على المحـــور التركي هجوما على جهود الوساطة بين حماس وإسرائيل التى إنتهت بالإتفاق على وقف إطلاق النار وإبرام صفقة لتبادل الأسرى بين الجانبين ، فقد أكدت تقارير وجود توافق دولي متعدد الأطراف بشأن قطاع غزة يشمل الإدارة الأميركية والأمم المتحدة ودولًا عربية وغربية يقوم على فصل الجانب الإنساني عن السياسي ويسمح بتنفيذ مشاريع إنسانية حيوية في قطاع غزة خلال الأشهر القادمة .
النكسة التى منيت بها الجماعة مؤخرا لم تقتصـــر على الســـقوط عربيا حيث تبعه تهديد لوجودها فى تركيا بعـــد أن كانـــت مطمئنة للمســـتويات المرضية التي حققتها بشـــأن تغلغلها وانتشـــارها فى الداخل التركى .
مـــن الواضـــح أن الأزمـــة التى يواجهها تنظيـــم الإخوان الآن أكثـــر تعقيدا من ســـابقاتها فهي متعلقـــة بســـقوط مشـــروع الجماعة السياسي داخل تركيا وهى أهم مراكزه في الشرق الأوســـط وبتراجع نفوذ رعاة الإخوان التقليديين وحضورهم مقابل صعود المشـــاريع العربية وتمكنهـــا من لعب دور محـــوري بشـــأن ملفـــات هامة مثل القضية الفلسطينية مما اضطر غالبيـــة القوى الفاعلة للتعامل مـــع الواقـــع الجديـــد وفـــق معادلات أســـهمت في فرضهـــا الأنظمـــة التي ناصبتها الجماعـــة العداء بمن فيهم حلفـــاء الإخوان أنفســـهم فـــي تركيا .
فقدان الروايـــة الأيديولوجيـــة لجماعة الإخوان المسلمين لجاذبيتها وإنكشافها في العديد من المعاقل الرئيســـية بالمنطقـــة العربية ودول أوروبـــا وتعرضها لضربـــات أمنية قوية وملاحقة القيادات الهاربة وإدراج الأذرع العســـكرية على قوائم الإرهاب تمثل ضربة قاصمة للتنظيم ، فضـــلا عـــن فقـــدان إســـطنبول التي تعد أكبـــر تمركز للإخـــوان في العالم وحاضنتهـــا الأخيـــرة .
وبعيداً عن البراجماتية السياسة لجماعة الإخوان فى جميع الأوقات فإن الفلسطينيين هم من تحملوا وطأة هذا الصراع بشكل كبير ، فقد حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن الوضع الإنساني في قطاع غزة بات صعباً للغاية مع تشريد أكثر من 71 ألفاً وارتفاع عدد القتلى داخل القطاع إلى 243 وفقا لما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية جراء القتال .