إتسمت جماعة الإخوان المسلمين على مدار تاريخها بالبراجماتية ومحاولة توظيف كافة الفرص المتاحة لخدمة مصالح التنظيم ، وقد أشارت دراسة حديثة صادرة عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات في هذا الصدد إلى التحركات الراهنة والمسارات المستقبلية للجماعة في ضوء المتغيرات الأخيرة .
وذكرت الدراسة أن تحركات جماعة الإخوان فى السودان في الوقت الراهن تهدف لتنفيذ انقلاب ناعم على السلطة الحالية والتسلل إلى السلطة مجدداً في ضوء حالة التصعيد المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع .
وتقول الدراسة إن الإخوان برغم أنّهم أنشؤوا كيانات ضمت تنظيمات غيرهم وتيارات دينية ربما يكونون مختلفين عنها، غير أنّهم شديدو الإيمان والانحياز لأفكارهم وللتنظيم فولاؤهم للفكرة ربما يدفعهم لتحولات المستقبل التي يحاولون أن يصنعوها على الأقل على مستوى الحضور السياسي .
وتضيف الدراسة أنهم كانوا جزءاً من الحركة الإسلامية والجبهة التي تشكلت وكانت نواة الحكم ولكنهم ظلوا يعبرون عن إيديولوجيتهم الخاصة وما حدث بين الإخوان والحركة الإسلامية حدث بين مرجعية الحركة ممثلة في د. حسن الترابي وبين الرئيس السوداني عمر البشير .
وأوردت الدراسة أن نشأة الإخوان في السودان ظلت مرتبطة بالسلطة حتى تحيّنوا الفرصة للانقضاض عليها من خلال القوة العسكرية فالإخوان قاموا بأول انقلاب عسكري في المنطقة وظلوا متمسكين بالسلطة على مدار ثلاثة عقود.
وتتابع الدراسة أن الإخوان انقلبوا على السلطة السياسية بالقوة وشكلوا قوة مدنية مسلحة هدفها إخضاع السودان بقوة السلاح والدبابة وخططوا لانقلاب عسكري أوصلهم إلى السلطة حتى بعد نجاح الانقلاب ظلوا مسيطرين بالحديد والنار غير أنّ الحركة الإسلامية التي وصلت بالقوة سقطت في ثورة شعبية سلمية في 19 ديسمبر عام 2019.
وقد كانت خطة الحركة الإسلامية في السودان بعد استيلائها العسكري على السلطة أن تخرج انقلابها بواجهة وطنية لا إسلامية ثم تتدرج خلال ثلاثة أعوام من مرحلة التأمين إلى مرحلة التمكين التي تذوب فيها الحركة في الدولة وتكشف عن وجهها الإسلامي بشكل سافر بما في ذلك تسليم العسكريين السلطة للمدنيين وتقلُّد د. الترابي منصب رئاسة الدولة وذلك بحسب الدراسة .
مشروع الإخوان في السودان وفق الدراسة لم يكن مبنياً على خلق تجربة ديمقراطية ولا حتى ترميم الحالة السياسية في ذلك الوقت ولكنّه كان مبنياً على فكرة الاستيلاء على السلطة ثم الانتقال إلى مرحلة التمكين من هذه السلطة وعدم التفريط فيها وكانت تتم هذه الممارسة باسم الحركة الإسلامية بما يدل على مفهوم الدولة الضيق لهذه الحركة وعدم إيمانها بالديمقراطية.
كما لم تخل ممارسات الجماعة من العنف سواء قبل الانقلاب أو حتى بعد الانقلاب فالحرب الأهلية والانتهاكات التي مورست في دارفور يتحملها التنظيم والنظام السياسي والحركة الإسلامية التي انحازت إلى استخدام القوة حتى ضد السودانيين أنفسهم فقد مارست الحكومة المحسوبة على الحركة الإسلامية حرب التطهير العرقي وحرب الإبادة من خلال دعمها لميليشيات الجنجويد ضد بعض الإثنيات من سكان إقليم درافور وفق الدراسة .
ويمكن اختصار تجربة الإخوان إما في الوصول إلى السلطة عن طريق قوة السلاح وإما بالانقلاب عليها ، كما يسعى الإخوان الآن من خلال تعبئة الأجواء وشحنها والقتال مع طرف دون الآخر أو من خلال حرب الإبادة والتطهير العرقي التي قام بها في إقليم دارفور .
وأخيراً قالت الدراسة أن الإخوان يسعون للانقلاب على السلطة الحالية ممثلة في المجلس السيادي ولكن بشكل يختلف عن الانقلاب الذي قام به في عام 1989 فقد اقتصر دورهم على إشعال فتيل الحرب وتهيئة أجواء استمرارها نظراً لأنّهم غالباً ما يعملون من خلال لافتة تضم كلّ التيارات والتنظيمات الإسلاموية للاستفادة من زخم وجودها وحتى يعطيها ذلك قوة لتحقيق الجماعة مشروعها للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها .